جمال البنا يكتب: « المواصفات» التى يجب أن تتوفر فى شيخ الأزهر منقول من جريدة المصرى اليوم العدد ٤/ ٤/ ٢٠١٠ |
ليس الأزهر جامعة كبقية الجامعات، إنه جامعة الألف عام، ولا يماثله فى ذلك فى العالم أجمع سوى اثنتين أو ثلاث، وقد جرت العادة على أن يُلقب شيخ الأزهر بشيخ الإسلام، وتقبل العالم الإسلامى السُـنى ذلك، وكان مما يشفع له أنه فى مصر، ومصر قلب العالم الإسلامى. وهذا اللقب المستحدث، ورغم ما يثار عليه، يوجب الفصل ما بين شيخ الأزهر كشيخ إسلام، وشيخ الأزهر كمدير لجامعة، ولا يمكن الجمع العملى بينهما، والحل أن يُعين شيخ الأزهر مديرًا عامًا للأزهر كجامعة، ويستقل هو بصفة شيخ الإسلام وما تفرضه من واجبات ثقال. هذا المنصب السامى الرفيع، شيخ الإسلام، يتطلب صفات فريدة يجب أن تتوفر فيمن يشغله، صفات تفوق ما يجب أن يتوفر فى «رجل دولة»، لأنه يمثل قيادة عالمية وليس قيادة قومية، ولأنه ينطق باسم عقيدة عظمى. ومن أهم هذه الصفات صفتا الشجاعة والأمانة. فشيخ الأزهر يتحدث باسم عقيدة عظمى ويوجه المليارات، فلا يجوز أن يكون ضعيفاً يفرّ من معركة أو يستخذى أمام قضية أو يداجى على حساب العقيدة، والمفروض أن دوره يدخل فيه التعريف بالإسلام والدفاع عنه، وتفنيد الشبهات والرد على التساؤلات... إلخ، وهذا يتطلب شجاعة تفوق شجاعة القائد العسكرى الذى يقود مئات الألوف فى معركة حياة أو موت، لأن معركة شيخ الإسلام هى معركة مليار مسلم، وما بين الحق والباطل. كما يشترط فى شاغل هذا المنصب العصمة التامة إزاء الإغراءات: إغراء المال.. فلا يحاول أن يستزيد أو أن «يبنى» عمارة أو يشترى عربات أو أرض... إلخ، عصمة من إغراءات الجنس وإغراءات الشهرة.. بل حتى فى زيه، فيجب أن يكون وقورًا محتشمًا، وعليه أن يضع نصب عينيه قول الرسول: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة». باختصار، يجب أن يتوفر فيه أعلى مواصفات «القوى الأمين» بتعبير القرآن الكريم. فإذا توفرت هذه الصفات فى شخصية شيخ الأزهر، فيجب بالطبع أن يتوفر له قدر وافر من المعرفة بالإسلام، لأن من مهمته أن يكون مبلغاً له ومدافعًا عنه، وحاكمًا فيما يثار من كتابات جدلية، وهذا يتطلب نمطين من الثقافات : ثقافة إسلامية.. وثقافة عصرية، ثقافة إسلامية تخلص إلى روح الإسلام وعمقه والجوهر فيه والمقصد منه، وليس الخلافات المذهبية أو الطقوس التى تُشترط فى العبادات أو التعمـق المذهبى، ومن ناحية أخرى لابد أن تتوفر له ثقافة عصرية لأنه يعيش فى عصر حديث يختلف عن الماضى، ولأنه يبلغ دعوته لشعوب متأثرة حتى النخاع بهذا العصر، فإذا لم يكن متنبهًا لذلك، قادرًا على التعامل معه، فإنه سيفشل فى الحديث عن الإسلام بلغة مفهومة، أو تقديم الإسلام فى صورة سائغة، وهذا هو المأزق الذى يقع فيه كل شيوخنا. وقد قرأت ملاحظات جاءت من بعض كبار الفقهاء أبعد ما تكون عما افترضنا، فقال أحدهم إن الشيخ على جمعة، المفتى حاليًا، لا يجوز أن يعين شيخًا للأزهر لأنه ليس من أسرة الأزهر، وإنما هو خريج كلية التجارة، وقد انتسب بعد ذلك إلى الأزهر، وقال الشيخ القرضاوى إنه أدخل نفسه فى بحر الفقه وهو لم يهيئ نفسه له فخانه التوفيق (جريدة الشروق) ١٣/٣/٢٠١٠م، وبالنسبة لمعاييرنا فإن هذا وذاك يُعد من سقط المتاع، ولا يتوفر المجال لشرح ذلك على وجه التفصيل، ويكفى القول إن الفتاوى الفقهية للشيخ طنطاوى أقرب إلى روح الإسلام عن فتاوى القرضاوى السلفى الأمين. ■ ■ ■ مثل هذا المنصب الرفيع لا يجوز أن يتم عن طريق التعيين، لأن أى تعيين لابد أن يتضمن تبعة ستكون على حساب استقلاليته وموضوعيته. وهذا ما يدخلنا فى أولى مشكلات التطبيق، فالأزهر نفسه يقع فى دولة هى مصر- وشيخ الأزهر لابد له من جنسية مصرية أو غير مصرية، وهذه وقائع ترتفق على «استقلالية» و«موضوعية» الأزهر وشيخه، ويكون من الضرورى إجراء وفاق بين الصفة الموضوعية المستقلة للأزهر وشيخه، ويمكن أن يحدث هذا الوفاق عندما تعترف الدولة للأزهر باستقلاليته الكاملة عن كل ما يتعلق بالدولة التى يشغل مركزه فيها، ويمكن أن يسجل هذا فى اتفاقية تشبه ما بين «الفاتيكان» وإيطاليا، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إذا كانت الدولة هى التى «تموّل» الأزهر لأنها تستتبع تبعية الأزهر وشيخه للدولة، وبالتالى يجب أن يعتمد الأزهر على موارده الخاصة، وهى من موارد الأوقاف التى أوقفها المسلمون فى مصر، وربما فى غير مصر، عليه، وبهذه الطريقة يكسب استقلاله الاقتصادى ويمكن أن يتحرر من تبعية الدولة، ويكون عليه فى هذه الحالة أن يخضع نفسه لقدر وقيمة هذه الأوقاف بحيث لا تزيد نفقاته عنها حتى لا يضطر لطلب مساعدة الدولة. والحقيقة أن الأزهر كان دائمًا يعيش على أوقافه، ولم يحدث إلا أخيرًا جدًا أن قررت الدولة أن تموله، وعندما فعلت هذا، فإنها جردته من أوقافه ووضعت يدها عليها، ولعل الأزهر خسر فى هذه الصفقة. فإذا أريد استقلال الأزهر فالخطوة الأولى أن تعاد إليه أوقافه، وأن يعتمد هو على هذه الأوقاف فلا يتعداها. إذا تمت هذه الخطوة فسيكون الأزهر سيد نفسه، وهو الذى يختار شيخه بالانتخاب، وكانت هناك هيئة كبار العلماء التى حلّ محلها مجمع البحوث الإسلامية، وقد تكون لنا تحفظات عليه، ولكن هذا ليس مكانها، فالمفروض أن يهيئ الأزهر أوضاعه بحيث يجب إنشاء هيئة من شخصيات على أعلى مستوى إسلامى، وأن تتضمن شخصيات من الدول الإسلامية، وتقوم بانتخاب شيخ الأزهر، وبهذا يمكن أن ينهض. |